responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 451
فَهُوَ قَائِمٌ بِمَا كَلَّفَهُ عَارِفٌ بِمَا أَرْضَاهُ وَمَا أَسْخَطَهُ، فَكَانَ حَالُ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ مِنْ حَالِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فِي تَقْبِيحِ الشِّرْكِ وَتَحْسِينِ التَّوْحِيدِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْمِثَالُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ، فَلَيْسَ بَيْنَهَا مُنَازَعَةٌ وَلَا مُشَاكَسَةٌ، قُلْنَا إِنَّ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ يُثْبِتُونَ بَيْنَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ مُنَازَعَةً وَمُشَاكَسَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ زُحَلُ هُوَ النَّحْسُ الْأَعْظَمُ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ السَّعْدُ الْأَعْظَمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ حَوَادِثِ هَذَا الْعَالَمِ يَتَعَلَّقُ بِرُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ مُنَازَعَةٌ وَمُشَاكَسَةٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَثَلُ مُطَابِقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلُ الْأَشْخَاصِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ الَّذِينَ مَضَوْا، فَهُمْ يَعْبُدُونَ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ لِتَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْقَائِلُونَ/ بِهَذَا الْقَوْلِ تَزْعُمُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْمُحِقَّ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عَلَى دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ مُبْطِلٌ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا يَنْطَبِقُ الْمِثَالُ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مُطَابِقٌ لِلْمَقْصُودِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا فَالتَّقْدِيرُ هَلْ يَسْتَوِيَانِ صِفَةً، فَقَوْلُهُ: مَثَلًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالْمَعْنَى هَلْ تَسْتَوِي صِفَتَاهُمَا وَحَالَتَاهُمَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى الْوَاحِدِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَقُرِئَ (مَثَلَيْنِ) ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْحَقُّ، ثَبَتَ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَيِّنَاتُ الْبَاهِرَةُ، قَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حُصُولِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ لَمْ يَعْرِفُوهَا وَلَمْ يَقِفُوا عَلَيْهَا، وَلَمَّا تَمَّمَ اللَّهُ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ قَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَالْمُرَادُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ وَإِنْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الْحِرْصِ وَالْحَسَدِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَلَا تُبَالِ يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا فَإِنَّكَ سَتَمُوتُ وَهُمْ أَيْضًا سَيَمُوتُونَ، ثُمَّ تُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْتَصِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَادِلُ الْحَقُّ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فَيُوصِلُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ حَقُّهُ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَيَّزُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ، وَالصِّدِّيقُ مِنَ الزِّنْدِيقِ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ أَيْ إِنَّكَ وَإِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ أَحْيَاءً فَإِنَّكَ وَإِيَّاهُمْ فِي أَعْدَادِ الْمَوْتَى، لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الْقَائِلَ الْمُحِقَّ. أَمَّا أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، فَهُوَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ وَلَدًا وَشُرَكَاءَ. وَأَمَّا أَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى تَكْذِيبِ الصَّادِقِينَ، فَلِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْوَعِيدِ فَقَالَ: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ كُلِّهَا يَكُونُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ، وَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِلْمَذْهَبِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ، فَوَجَبَ دخوله تحت هذا الوعيد.

[سورة الزمر (39) : الآيات 33 الى 37]
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست